إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88578 مشاهدة
ورع سعيد بن المسيب

وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا، مع أن سعيد بن المسيب من علماء التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، ومع ذلك لا يذكرون عنه كثيرا في التفسير، ليس كابن عباس وليس كمجاهد ونحوه فهو يقول: إنا لا نقول في القرآن شيئا، يعني: كأنه يقول: لا نقول فيه بغير علم.
وقال الليث حدثنا عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب هذا أيضا إسناد صحيح؛ فإن الليث بن سعد عالم مصر يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري العالم المشهور عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم في المعلوم من القرآن، لا يتكلم في الشيء الذي يعلمه، فهذا سعيد بن المسيب من باب الورع.
وقال شعبة عن عامر بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء يعني عكرمة فكان ابن المسيب يتحرج أن يفسر آية في القرآن مخافة أن يقول فيها بغير علم مع أن كثيرا من السلف رحمهم الله فسروا القرآن ولا يزالون، أحاله على عكرمة مولى ابن عباس وادعى أنه لا يخفى عليه منه شيء؛ يعني أن عكرمة كان يفسر القرآن وسعيد يتحرج من تفسير القرآن.
وقال ابن شوذب حدثنا يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام -وكان أعلم الناس- فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
تدل هذه الآثار على أن سعيد بن المسيب يتورع عن أن يفسر آية في القرآن؛ ولذلك تقل الأسانيد عنه بالتفسير؛ يعني ما نقل عنه تفسير إلا شيء يسير.
وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا عبيد الله بن عمر هذا أيضا إسناد جيد. عبيد الله بن عمر هذا هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب من علماء التابعين وأجلائهم يقول: لقد أدركت فقهاء المدينة ولعله يعني الفقهاء السبعة الذين ذكرنا أن الفقهاء في المدينة سبعة نظمهم الناظم بقوله:
ألا إن من لا يقتــدي بأئمــة
فقسْمَتُهُ ضيزى عن الحق خارجه
فقل هم عبيد الله عـروة قاسـم
سعيـد أبو بكـر سليمان خارجــة
يقول: أدركتهم وإنهم ليعظمون القول في القرآن هيبة؛ يعني يهابون أن يقولوا في القرآن وذكر منهم: سالم -عده بعضهم من الفقهاء السبعة وأكثرهم لم يعدوه - والقاسم بن محمد منهم سعيد بن المسيب منهم نافع مولى ابن عمر ما عدوه من الفقهاء السبعة ولكنه من فقهاء المدينة .